[size=18]
سئل فضيلة الشيخ - رحمه الله -: هل يجوز الذهاب إلى القس للتهنئة بسلامة الوصول والعودة؟.
فأجاب - رحمه الله - بقوله: لا يجوز الذهاب إلى أحد من الكفار عند قدومه للتهنئة بوصوله والسلام عليه لأنه ثبت عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام".
وأما ذهاب النبي، صلى الله عليه وسلم، لليهودي الذي كان مريضاً فإن هذا اليهودي كان غلاماً يخدم النبي، صلى الله عليه وسلم، فلما مرض عاده النبي، صلى الله عليه وسلم، ليعرض عليه الإسلام فعرضه عليه فأسلم، فأين هذا الذي يعوده ليعرض عليه الإسلام من شخص زار قساً ليهنئه بسلامة الوصول ويرفع من معنويته؟! لا يمكن أن يقيس هذا على ذاك إلا جاهل أو صاحب هوى.
(406) وسئل فضيلة الشيخ: عن مقياس التشبه بالكفار؟
فأجاب بقوله: مقياس التشبه أن يفعل المتشبِه ما يختص به المتشبَه به، فالتشبه بالكفار أن يفعل المسلم شيئاً من خصائصهم، أما ما انتشر بين المسلمين وصار لا يتميز به الكفار فإنه لا يكون تشبهاً، فلا يكون حراماً من أجل أنه تشبه، إلا أن يكون محرماً من جهة أخرى. وهذا الذي قلناه هو مقتضى مدلول هذه الكلمة. وقد صرح بمثله صاحب الفتح حيث قال ص272 ج10 "وقد كره بعض السلف ليس البرنس لأنه كان من لباس الرهبان، وقد سئل مالك عنه فقال: لا بأس به. قيل: فإنه من لبوس النصارى، قال : كان يلبس هاهنا". أ.هـ. قلت: لو استدل مالك بقول النبي، صلى الله عليه وسلم، حين سئل ما يلبس المحرم، فقال: "لا يلبس القمص، ولا السراويل، ولا البرانس" الحديث لكان أولى.
وفي الفتح أيضاً ص307 جـ1: وإن قلنا : النهي عنها (أي عن المياثر الأرجوان) من أجل التشبه بالأعجام فهو لمصلحة دينية، لكن كان ذلك شعارهم حينئذ وهم كفار، ثم لما لم يصر الآن يختص بشعارهم زال ذلك المعنى، فتزول الكراهة. والله أعلم. أ.هـ.
(407) سئل فضيلة الشيخ: يدعي بعض الناس، أن سبب تخلف المسلمين هو تمسكهم بدينهم. وشبهتهم في ذلك، أن الغرب لما تخلوا عن جميع الديانات وتحرروا منها، وصلوا إلى ما وصلوا إليه من التقدم الحضاري، وربما أيدوا شبهتهم بما عند الغرب من الأمطار الكثيرة والزروع فما رأي فضيلتكم؟.
فأجاب بقوله: هذا الكلام لا يصدر إلا من ضعيف الإيمان، أو مفقود الإيمان، جاهل بالتاريخ، غير عالم بأسباب النصر، فالأمة الإسلامية لما كانت متمسكة بدينها في صدر الإسلام كان لها العزة والتمكين، والقوة، والسيطرة في جميع نواحي الحياة، بل إن بعض الناس يقول: إن الغرب لم يستفيدوا ما استفادوه من العلوم إلا ما نقلوه عن المسلمين في صدر الإسلام، ولكن الأمة الإسلامية تخلفت كثيراً عن دينها، وابتدعت في دين الله ما ليس منه، عقيدة، وقولاً، وفعلاً، وحصل بذلك التأخر الكبير، والتخلف الكبير، ونحن نعلم علم اليقين ونشهد الله - عز وجل - إننا لو رجعنا إلى ما كان عليه أسلافنا في ديننا، لكانت لنا العزة، والكرامة، والظهور على جميع الناس. ولهذا لما حدث "أبوسفيان" "هرقل" ملك الروم ـ والروم في ذلك الوقت تعتبر دولة عظمى - بما عليه الرسول، عليه الصلاة والسلام، وأصحابه؛ قال: "إن كان ما تقول حقّاً فسيملك ما تحت قدمي هاتين". ولما خرج أبوسفيان وأصحابه من عند "هرقل"، قال: "لقد أمِرَ أمر ابن أبي كبشة إنه ليخافه ملك بني الأصفر".
وأما ما حصل في الدول الغربية الكافرة الملحدة من التقدم في الصناعات وغيرها، فإن ديننا لا يمنع منه، لو أننا التفتنا إليه، لكن مع الأسف ضيعنا هذا وهذا، ضيعنا ديننا، وضيعنا دنيانا، وإلا فإن الدين الإسلامي لا يعارض هذا التقدم، بل قال الله تعالى: ]وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم[
(1). وقال تعالى: ]هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه[
(2). وقال تعالى: ]هو الذي خلق لكم مافي الأرض جميعاً[
(3). وقال تعالى: ]وفي الأرض قطع متجاورات[
(4). إلى غير ذلك من الآيات التي تعلن إعلاناً ظاهراً للإنسان أن يكتسب ويعمل وينتفع، لكن لا على حساب الدين، فهذه الأمم الكافرة هي كافرة من الأصل، دينها الذي كانت تدعيه دين باطل، فهو وإلحادها على حد سواء،لا فرق. فالله ـ سبحانه وتعالى ـيقول:]ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه[
(1). وإن كان أهل الكتاب من اليهود والنصارى لهم بعض المزايا التي يخالفون غيرهم فيها، لكن بالنسبة للآخرة هم وغيرهم سواء، ولهذا أقسم النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه لا يسمع به من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يتبع ما جاء به، إلا كان من أصحاب النار، فهم من الأصل كافرون، سواء انتسبوا إلى اليهودية، أو النصرانية، أم لم ينتسبوا إليها.
وأما ما يحصل لهم من الأمطار وغيرها فهم يصابون بهذا ابتلاء من الله تعالىوامتحاناً، وتعجل لهم طيباتهم في الحياة الدنيا، كما قال النبي، عليه الصلاة والسلام، لعمر بن الخطاب، وقد رآه قد أثر في جنبه حصير، فبكى عمر. فقال: يا رسول الله فارس والروم يعيشون فيما يعيشون فيه من النعيم، وأنت على هذه الحال. فقال: "يا عمر هؤلاء قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، أما ترضى أن تكون لهم الدنيا، ولنا الآخرة". ثم إنهم يأتيهم من القحط، والبلايا، والزلازل، والعواصف المدمرة ما هو معلوم، وينشر دائماً في الإذاعات، وفي الصحف، وفي غيرها، ولكن من وقع السؤال عنه أعمى، أعمى الله بصيرته فلم يعرف الواقع، ولم يعرف حقيقة الأمر، ونصيحتي له أن يتوب إلى الله - عز وجل - عن هذه التصورات قبل أن يفاجئه الموت، وأن يرجع إلى ربه، وأن يعلم أنه لا عزة لنا، ولا كرامة، ولا ظهور، ولا سيادة إلا إذا رجعنا إلى دين الإسلام، رجوعاً حقيقياً يصدقه القول والفعل، وأن يعلم أن ما عليه هؤلاء الكفار باطل ليس بحق، وأن مأواهم النار، كما أخبر الله بذلك في كتابه، وعلى لسان رسوله، صلى الله عليه سلم، وأن هذا الإمداد الذي أمدهم الله به من النعم ما هو إلا ابتلاء وامتحان وتعجيل طيبات، حتى إذا هلكوا وفارقوا هذا النعيم إلى الجحيم ازدادت عليه الحسرة والألم والحزن، وهذا من حكمة الله - عز وجل - بتنعيم هؤلاء، على أنهم كما قلت لم يسلموا من الكوارث التي تصيبهم من الزلازل، والقحط، والعواصف، والفيضانات وغيرها، فأسأل الله لهذا السائل الهداية والتوفيق، وأن يرده إلى الحق وأن يبصرنا جميعاً في ديننا إنه جواد كريم.
(408) سئل فضيلة الشيخ: هل يمكن أن يصل المسلم في هذا العصر إلى ماوصل إليه الصحابة من الالتزام بدين الله؟
فأجاب بقوله: أما الوصول إلى مرتبة الصحابة فهذا غير ممكن، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم".
وأما إصلاح الأمة الإسلامية حتى تنتقل عن هذا الوضع الذي هي عليه، فهذا ممكن، والله على كل شيء قدير، وقد ثبت عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك". ولا ريب أن الأمة الإسلامية في الوضع الحالي في وضع مزر، بعيدة عما يريده الله منها من الإجماع على دين الله والقوة في دين الله، لأن الله يقول: ]وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون[
(1).
(409) سئل فضيلة الشيخ: هل يعتبر الشيعة في حكم الكُفَّار؟ وهل ندعوالله تعالى أن ينصر الكفار عليهم؟
فأجاب بقوله: الكفر حكم شرعي مرده إلى الله ورسوله فما دل الكتاب والسنة على أنه كفر فهو كفر، وما دل الكتاب والسنة على أنه ليس بكفر فليس بكفر، فليس على أحد بل ولا له أن يكفر أحداً حتى يقوم الدليل من الكتاب والسنة على كفره.
وإذا كان من المعلوم أنه لا يملك أحد أن يحلل ما حرم الله، أو يحرم ما أحل الله، أو يوجب مالم يوجبه الله تعالى إما في الكتاب أو السنة، فلا يملك أحد أن يكفر من لم يكفره الله إما في الكتاب وإما في السنة.
ولا بد في التكفير من شروط أربعة:
الأول: ثبوت أن هذا القول، أو الفعل، أو الترك كفر بمقتضى دلالة الكتاب أو السنة.
الثاني: ثبوت قيامه بالمكلف.
الثالث: بلوغ الحجة.
الرابع: انتفاء مانع التكفير في حقه.
فإذا لم يثبت أن هذا القول، أو الفعل، أو الترك كفر بمقتضى دلالة الكتاب والسنة، فإنه لا يحل لأحد أن يحكم بأنه كفر، لأن ذلك من القول على الله بلا علم وقد قال الله تعالى: ]قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها ومابطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله مالم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون[
(2) وقال: ]ولا تقف ماليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً[
(3).
وإذا لم يثبت قيامه بالمكلف فإنه لا يحل أن يرمى به بمجرد الظن لقوله تعالى: ]ولا تقف ماليس لك به علم[. الآية ولأنه يؤدي إلى استحلال دم المعصوم بلا حق.
وفي الصحيحين من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "أيما أمرئ قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما؛ إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه"، هذا لفظ مسلم. وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه ـ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: "لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق، ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك". أخرجه البخاري ولمسلم معناه.
وإذا لم تبلغه الحجة فإنه لا يحكم بكفره لقوله تعالى: ]وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[
(1). وقوله تعالى: ]وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً يتلو عليهم آياتنا وماكنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون[
(2). وقوله تعالى: ]إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ـ إلى قوله ـ : رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً[
(3). وقوله تعالى: ]وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً[
(4).
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه -أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ـ يعني أمة الدعوة ـ يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار".
لكن إن كان مَن لم تبلغه الحجة لا يدين بدين الإسلام، فإنه لا يعامل في الدنيا معاملة المسلم، وأما في الآخرة فأصح الأقوال فيه أن أمره إلى الله تعالى.
وإذا تمت هذه الشروط الثلاثة أعني ثبوت أن هذا القول، أو الفعل أو الترك كفر بمقتضى دلالة الكتاب والسنة، وأنه قام بالمكلف، وأن المكلف قد بلغته الحجة ولكن وجد مانع التكفير في حقه فإنه لا يكفر لوجود المانع.
فمن موانع التكفير:
الإكراه فإذا أُكره على الكفر فكفر وكان قلبه مطمئناً بالإيمان لم يحكم بكفره، لوجود المانع وهو الإكراه قال الله تعالى: ]من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم[
(5).
ومن موانع التكفير:
أن يغلق على المرء قصده فلا يدري ما يقول لشدة فرح، أو حزن، أو خوف، أو غير ذلك لقوله تعالى:
]وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفوراً رحيماً[
(2).
وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: "لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ خطامها ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح".
فهذا الرجل أخطأ من شدة الفرح خطأ يخرج به عن الإسلام لكن منع من خروجه منه أنه أغلق عليه قصده فلم يدر مايقول من شدة الفرح، فقد قصد الثناء على ربه لكنه من شدة الفرح أتى بكلمة لو قصدها لكفر.
فالواجب الحذر من إطلاق الكفر على طائفة أو شخص معين حتى يعلم تحقق شروط التكفير في حقه وانتفاء موانعه.