تحريم الإستغاثة :
قال الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه حقيقة التوحيد ص 44- 46
من الشرك الأكبر الخفي : الدعاء والاستعانة بالموتى :
ومن الشرك الأكبرنوع خفي ، يخفي على كثير من الناس ومنه دعاء الموتى و المقبورين من أصحاب الأضرحةوالمقامات ، والاستعانة بهم وطلب قضاء الحوائج منهم من شفاء المرضى وتفريج الكربات، وإغاثة الملهوف ، والنصر على العدو ، مما لا يقدر عليه إلا الله ، واعتقاداتهم بأنهم يضرون وينفعون . وهذا أصل شرك العالم ، كما قال ابن القيم.
وسبب خفاء هذاالشرك أمران :
-1أن الناس لا يسمون هذا الدعاء والاستعانة والاستغاثة بأصحاب القبور عبادة ، ويظنون أن العبادة إنما تنحصر في الركوع والسجود والصلاة والصيام ونحوها .
والحقيقة أن روح العبادة – كما ذكرنا – هو الدعاء ، كما جاء في الحديث : (( الدعاء هو العبادة )).
2 – أنهم يقولون : نحن لا نعتقد أن هؤلاء الأموات الذين ندعوهم ونستغيث بهم آلهة أو أرباب لنا ، بل نعتقد أنهم مخلوقون مثلنا . ولكنهم وسائط بيننا وبين الله وشفعاء لنا عنده.
وهذا من جهلهم بالله جل جلاله ، فقد حسبوه مثل الملوك الجبارين والحكام المستبدين ، لا يستطاع الوصول إليهم إلا بوسطاء وشفعاء .
وهو نفس الوهم الذي سقط فيه المشركون قديما ً ، وحين قالوا عن آلهتهم وأصنامهم : (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) ، ( ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤناعند الله) .
ولم يعتقدوا يوماً أن آلهتهم وأصنامهم تخلق أو ترزق أو تحيى أو تميت ، كما قال تعالى : (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم).
) قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج من الحي ومن يدبر الأمر ، فسيقولون الله ، فقل أفلا تتقون).
ومع هذا الاعتقاد في الله تعالى ، أنه خالق السموات والأرض ، وأنه الرزاق المدبر المحيى المميت ..والاعتقاد في الأصنام .. أنها مجرد وسائط وشفعاء لهم عند الله .. مع هذا كله رماهم القرآن بالشرك ، وسماهم المشركين ، وأمر بقتالهم حتى يتوبوا من الشرك ويقولوا : ((لا إله إلا الله )) فمن قالها فقد عصم دمه وماله إلا بحق الإسلام.
إن الله تعالى غني عن الوسائط والشفعاء ، وهو أقرب إلى عبده من حبل الوريد ، كما قال تعالى : (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب).
(وقال ربكم ادعونيأستجب لكم).
وبابه تعالى مفتوح لكل من أراد الدخول ، ليس عليه حاجب ولا بواب .
ثم قال ص 67 - 74:
الإسلام يسد المنافذ إلى الشرك
لقد جاء الإسلام بالتوحيد الخالص ، وحارب الشرك أكبره وأصغره ، وحذر منه أشد التحذير ، واتخذ لذلك وسائل شتى ، أبرزها سد كل المنافذ التي تهب منها ريح الشرك.
من هذه المنافذ مايأتي :
• الغلو في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم:
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغلو في تعظيمه ومدحه فقال : (( لاتطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم ، إنما أنا عبد ، فقولوا عبد الله ورسوله ))( متفق عليه ) .
والقرآن الكريم أثنى عليه صلى الله عليه وسلم بالعبودية لله في أشرفالمقامات ، تأكيداً لهذا المعنى كقوله تعالى : (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً)،وقوله (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً) ، وقوله : (فأوحى إلى عبده ما أوحى) .
وكان صلوات الله عليه إذا رأى أو سمع ما يؤدي إلى الغلو في شخصه ،زجر من قال ذلك أو فعله ، ونبهه إلى الحق والسداد .
روى أبو داود بسند جيد عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال : انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : أنت سيدنا .. قال: ((السيد الله تبارك وتعالى )) .
وعن أنس أن أناساً قالوا : يا رسول الله ، يا خيرنا وابن خيرنا ، وسيدنا وابن سيدنا ، فقال : (( ياأيها الناس ، قولوا بقولكم ، ولا يستهوينكم الشيطان .. أنا محمد عبد الله ورسوله .وما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل )) (( رواه النسائي بسند جيد ) .
ولما قال له رجل :ما شاء الله وشئت قال : (( أجعلتني لله نداً ؟ قل : ما شاء الله وحده )) . ( رواهالنسائي ) .
• الغلو في الصالحين :
ومما نهى عنه الإسلام وحذر منه ، الغلو في شأن الصالحين .
فقد غلا قوم في شأن المسيح حتى جعلوه أبناً لله ، أو ثالث ثلاثة ، وقال بعضهم : إن الله هو المسيح ابن مريم .
وغلا قوم فيأحبارهم ورهبانهم فاتخذوهم أرباباً من دون الله ، من هنا حذر الله من غلو أهل الكتاب وشنع عليهم في ذلك فقال : (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق) ، ( قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل).
وأول شرك وقع في الأرض – هو شرك قوم نوح – كان سببه الغلو في الصالحين . جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس في الحديث عن آلهتهم (( ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر)) قال : (( هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم : أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا فيها أنصاباً ، وسموها بأسمائهم . ففعلوا ..ولم تعبد ، حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم ، عبدت )) .
وقال بعض السلف :لما ماتوا علقوا على قبورهم ، ثم صوروا تماثليهم ، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم.
ومن هنا نعلم أن غلو بعض المسلمين فيمن يعتقدون صلاحهم وولايتهم الله ، وبخاصة أصحاب الأضرحة والمزارات – يؤدي إلى أنواع من الشرك ، كالنذر لهم والذبح لهم والاستعانة بهم والإقسام بهم على الله ونحو ذلك ، وقد يفضي بهم الغلو إلى الشرك الأكبروهو اعتقاد أن لهم سلطة وتأثيراً في الوجود، وراء الأسباب والسنن الكونية ، فيدعون من دون الله أو مع الله ،وهذا هو الإثم العظيم والضلال البعيد .
( من كتاب حقيقة التوحيد للدكتور القرضاوي )