سؤال:
أولاً أريد أن أحييكم على مجهوداتكم الجبارة من خلال موقعكم المميز ، جزاكم الله خيراً ، وجعل هذا في ميزان حسناتكم يوم القيامة . لقد لجأت إليكم لا لأشكو همِّي فالشكوى لغير الله مذلة ، وإنما لأطلب النصح من أب ، وأخ ، وشيخ فاضل ، وأتمنى أن توجهوني لما فيه رضا الله عز وجل ، ولما فيه صلاحي في الدنيا والآخرة ، أنا فتاة مطلقة ، تعرفت منذ 7 أشهر إلى شاب عن طريق الانترنت ، حسب ما أعرفه عنه خلال هذه المدة أنه إنسان محترم ، ذو خلق ، ومتدين ، يعيش في بلد أوربية ، أحس أنني أحبه ، وهو أيضا ، لكنه لا يستطيع التقدم لخطبتي حاليّاً ؛ نظراً لظروفه ، حيث إنه ما زال غير مستقر في البلد الذي يعيش فيه ، حيث إنه ومنذ أكثر من 5 سنوات يعيش في هذه البلاد بإقامة طالب ، وهذا ما يمنعه من الزواج ؛ لأنه إن تزوج فليس له الحق في اصطحاب زوجته معه ، ولا يعرف إلى أي مدى قد يطول هذا الأمر ، ربما لسنوات ، الله أعلم . حدث مؤخراً أن تقدم لخطبتي شاب على مستوى من الأخلاق والدِّين ، لا نسأل عنه أحداً إلا قال فيه خيراً . انصحني شيخنا الفاضل ماذا يتوجب عليَّ فعله ، أحس أنني أحب الشخص الذي أعرفه منذ مدة ، وأهلي يريدون تزويجي من الشاب المتقدم لخطبتي ، هم لم يفرضوه عليَّ ، لكنهم لا يجدون سبباً مقنعا لأرفضه ، ولا أستطيع إخبارهم عن علاقتي بالشخص الآخر . أرجو يا شيخنا الفاضل أن توجهني وتنصحني بما آتاكم الله من علم ، لما فيه مرضاة الله عز وجل ، وجزاكم الله عنا كل خير .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
ينبغي أن تعلمي أنكِ وقعتِ في آثام متعددة من المراسلة والمحادثة المتكررة مع رجل أجنبي عنكِ ، ومعرفتكِ عنه أنه متدين ، ومحترم ، وذو خلق ، وكذا معرفة ظروفه المعيشية : كل ذلك يؤكد أن هذه العلاقة المحرَّمة قد استمرت لفترة طويلة ، ولا ندري ما هو التدين الذي يتحلى به ذلك الشاب ، ولا ندري كيف تصفينه بأنه محترم وصاحب خلُق ، وهو يرضى لكِ ما لا يرضاه لأخته ولا ابنته !
والواجب عليكِ – وعليه بالطبع – الآن التوبة من تلك العلاقة ، والمبادرة الفورية بقطعها ، وحتى تكون توبتك صادقة فإنه يجب عليك الكف فوراً عن تلك العلاقة ، والندم على ما حصل منكِ ، والعزم على عدم العودة لها أو لمثلها .
وتجدين حكم هذه العلاقة في أجوبة متعددة ، وانظري – مثلاً - : ( 34841 ) و ( 23349 ) و ( 21933 ) .
ثانياً:
وبما أنكِ قد علمتِ ظروف ذلك الشاب ، وأنه لا يستطيع التقدم لخطبتكِ : فهذا يحتِّم عليك قطع العلاقة معه ؛ لأنها – بالإضافة لحكمها الشرعي – فليس مأمولا منها أن تنتهي بالزواج ، على الأقل في المستقبل المنظور ، وإنما هي مجرد أوهام ، يضيع العمر بالجري وارءها : كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً !!
قال الإمام أحمد رحمه الله : " من أحالك على غائب فما أنصفك " .
نقله ابن تيمية في الفتاوى (27/102) .
ثالثاً:
لا نظن عاقلاً على وجه الأرض يمكن أن ينصحك بعدم قبول المتقدم لخطبتكِ على ( أمل ) ! أن تتحسن ظروف ذلك الشاب ليخطبكِ ؛ وذلك لأمور ، منها :
أ. أن ذلك الشاب مجهول ، ولا يَعرف أحد حقيقته ، وأما الثاني فإنه معلوم لكِ ولأسرتكِ .
ب. أن ظرف الأول قطعي في عدم قدرته على خطبتك ، وتحسن أحواله مظنون ، وفي عالم الغيب ، وأما الثاني : فإن ظرفه الحالي مقطوع به بقدرته على التزوج .
ج. أن الأول يعيش في دولة كافرة ، ولا يحل لك الذهاب إليها ، والعيش بها ، والأمر كذلك بالنسبة له ، وأما الثاني : فهو يعيش في بلد عربي مسلم ، وبينهما فروق من حيث الحكم الشرعي ، ومن حيث صلاحية البلديْن لإقامة شعائر الدين ، وسلامة الاعتقاد ، والحفاظ على الأسرة والأولاد .
رابعاً:
اعلمي أنه ليس لكِ عذر في عدم الموافقة على الخاطب الذي تقدم لخطبتك ، فلا تتردي بالموافقة ، والعمر تمر ساعاته عليكِ ـ وأنت في هذه الأوهام ـ بما يضرك لا بما ينفعك ، وبما يؤثمك لا بما يؤجرك ، فصد هذا الخاطب يعني رضاك بالبقاء على علاقة آثمة لا يعلم إلا الله تعالى : متى تنتهي ، وإلى أي حال تنتهي ؟!!
وهذا ما لا نتمنى حصوله منك ، وقد رضيتِ برأينا ومشورتنا ، ونحن نشكرك على ثقتك بنا ، فلا تردي نصيحتنا ، واقبليها طيبة بها نفسك ، وسترين أثر ذلك على قلبك وبدنك ، ويكفيك أنك تتخلصين بذلك من إثم تلك العلاقة ، وسترين معنى العلاقة الشرعية بعد عقدك وقبولك بالخاطب ، وستتذوقين طعم الحب الشرعي الطاهر ، وسترين أي جناية كنتِ ترتكبينها بحق نفسك ، وسيتبين لك أن تلك " العلاقة الإلكترونية " مع ذلك الشاب لا قيمة لها ، وليست حبّاً ، إنما هي أوقات تصرف في المعصية والتسلية ، وعندنا مئات بل آلاف النماذج من تلك العلاقات الإلكترونية التي ضيعت نساء كثيرات أعراضهن من خلالها ! ومَن تزوجت منهن فقد باء زواجها بالفشل ، فلا تفكري في حبٍّ موهوم ، ولا تعيشي في خيالات ، واجعلي همَّك في طاعة ربك تعالى ، وفي العيش في الواقع المرئي ، لا الخيال المتوهم ، واتركي ذلك الماضي بسوآته ، ولا يشغلنك منه إلا التوبة النصوح إلى الله تعالى، وإصلاح العمل فيما بقي:
ونسأل الله تعالى أن ييسر لك أمرك ، وأن يخلصك من الآفات والشرور ، وأن يطهر قلبك ، وأن يعجل لك بالخير .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب