.::الملتقى الاسلامي في العراق::.
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 فلنصدق مع الله

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو سعيد

{{}} عضـو اساسي {{}}


{{}} عضـو اساسي {{}}
ابو سعيد


المساهمات : 435
تاريخ التسجيل : 05/08/2007

فلنصدق مع الله Empty
مُساهمةموضوع: فلنصدق مع الله   فلنصدق مع الله I_icon_minitime31.08.07 14:04

إذا صدق العبد مع ربه، وأخلص لله في دعوته، فإن ذلك ينعكس على دعوته وعلى المدعوين الذين يرون بأعينهم، ويستشعرون بقلوبهم، ويحسون بنفوسهم صدق هذا الداعية يرون ذلك في نفسه المطمئنة التي تعلوها السكينة والرضا والإخبات، ويرون ذلك في ووجهه؛ فالعينان صادقتان، واللسان والشفتان كذلك، حتى الابتسامة صادقة، ووجه كله بخلجاته وسكناته صادق كذلك.

فالمدعوون يرون في وجه الداعية الصادق مع ربه المهابة والنور والبهاء، ويرون جوارحه كلها قد علاها الخشوع والوقار، حتى أن المدعو لينظر إلى وجه الداعية فيقول؛ هذا رجل صادق، قبل أن يسمع كلامه أو يحاوره أو يناقشه.

ألا ترى إلى ذلك الرجل الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: (أنت محمد بن عبد الله؟)، قال: (أنا الذي يزعمونني ذلك)، قال: (والله ما هذا الوجه بوجه كذاب).

وأنت أخي المسلم كلما كان ميراثك من النبي صلى الله عليه وسلم ومن صدقه وإخلاصه وإيمانه وعمله عظيماً، كلما كان حظك من هذا المعنى عظيماً.

إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يورث ديناراً ولا درهماً، إنما ورث دعوة تُبلَّغ، وعلماً تربي عليه نفسك وغيرك، وورث هدىً وتقوى وإيماناً وخشوعاً وإخلاصاً ويقيناً، وكلما كان حظك من ميراث النبوة عظيماً، كان اهتداء الناس على يديك بأيسر سبيل ومن أقصر طريق.

فهذا المدعو؛ قد يلتزم بالإسلام والعمل به وله بمجرد رؤيته لك، وآخر؛ يهديه الله بمجرد جلوسك معه دقائق معدودات، وثالث؛ يهديه الله على يديك لمجرد أن سلم عليك وسلمت عليه أو أكلت معه أو حتى ابتسمت له، ورابع؛ يهديه الله على يديك بعد أن جالسك ساعة أو أقل قليلاً في سفر.

ألا ترى أن عداساً مولى عتبة بن ربيعة أسلم على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن سمع كلمتين اثنتين من رسول الله صلى الله عليه وسلم هما "بسم الله"، نطق بهما الرسول الكريم، قبل أن يمد يده إلى قطف العنب الذي جاء به عداس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما علم أنه نبي أكب عليه يقبل يديه ورجليه، ويعلن انضواءه تحت راية الإسلام الحنيف.

ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما وضع يده على قلب ذلك الشاب الذي كان يحب الزنا ويريد من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأذن له فيه، فبعد أن انتهى الرسول صلى الله عليه وسلم من رفع يده من على قلبه ودعا له بالعفة والعفاف؛ أصبح الزنا أبغض شيء إلى ذلك الرجل بعد أن كان أحب شيء إليه.

وكذلك المشرك الذي جاء من مكة إلى المدينة ليقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريض من صفون بن أمية، فلما أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان من أمره مع صفوان قال: (أشهد أنك رسول الله).

وغيرهم، وغيرهم كثير ممن يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط، فتقع محبته في قلوبهم، ويضحوا بعد ذلك بالغالي والرخيص والنفس والنفيس فداء للحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.

وأنت كلما كان ميراث النبوة لديك كبيراً، كان لك حظ وافر من ذلك كله، فرؤية وجهك قد تكون سبباً في الهداية، ودعاؤك للمدعو قد يكون سبباً في نقله من حال إلى حال، بل وابتسامتك كذلك دون أن تحتاج أن تكلم المدعو ساعاتٍ أو أياماً تستغرقها لتشرح له فكرك - كما يقولون - أو تبين له آراءك في شتى المسائل الهامة، فبضع دقائق منك كفيلة بأن توصل إلى قلب المدعو بعضاً من نور هدايتك وميراثِ النبوة الذي يملأ قلبك وأن تشحن بطارية إيمانه الفارغة من بطارية إيمانك العامرة.

إن المؤمن ليزداد ميراثه من النبوة حتى يفوح عبير إيمانه وإخلاصه وصدقه، فلا يقف عند المكان الذي يعيش فيه أو الزمان الذي كان يحيا فيه، بل يمتد أثره على الأجيال.

ألا ترى أن أمثال مصعب بن عمير وزيد بن حارثة وعمر بن الخطاب وأبي بكر الصديق وغيرهم من الصحابة؛ ما زالت ترن كلماتهم في آذان الأجيال المتعاقبة حتى يومنا هذا وحتى يرث الله الأرض ومن عليها، وكل ذلك وهم في قبورهم! ألا ترى أننا نعيش بقلوبنا وشعورنا وكل أحاسيسنا مع خالد بن الوليد حينما نقرأ سيرته، ونشعر ساعتها وكأننا نعيش معه في ميدان القتال ونحارب معه ونجاهد معه، ألا ترى أن مجرد قراءتنا لسيرته تبعث في النفوس همة الجهاد، وتجعل المرء يستعذب الشهادة في سبيل الله، ويكاد يطير شوقاً لذلك اليوم الذي يلقى فيه الأحبة؛ محمداً صلى الله عليه وسلم وصحبه.

فتُرى ما السر في هذا الرجل حتى يكون له ذلك التأثير العجيب في النفوس، في سيرته فحسب، فكيف لو كنا رأيناه وقاتلنا تحت رايته؟ إن الزمان بقرونه الأربعة عشر لم يمح أثر ذلك الرجل العظيم، وكأنه ما زال حياً يقاتل على صهوة جواده، ويكتسح دولتي الفرس والروم.

وهذا عمر بن عبد العزيز حفيد عمر بن الخطاب كلما قرأ الواحد منا سيرته؛ خشع وبكى، وعاش مع هذا الرجل وكأنه حي يجالسه ويكلمه، وأحب أن يعيد قراءة سيرته مراتٍ ومراتٍ دون ملل.

وكل هؤلاء وغيرهم - ممن على شاكلتهم - قد أخلصهم الله بخالصةٍ ذكرى الدار، وأصبحوا - وهم في قبورهم - دعاةً إلى الحق وهداةً إلى صراط الله المستقيم، تهتدي الأجيال على أيديهم وهم أموات كما اهتدت وهم أحياء، وأبى الله إلا أن يكرم أولياءه أحياءً وأمواتاً وفي الدنيا والآخرة، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، وأسأل الله أن ننال ولو شيئاً منه.

فاحرص على هذا المعنى تكن من أهله، فمن فاته ذلك الموطن العظيم وتلك الدرجة الرفيعة فقد فاته خير كثير، إن الرجل ليصدق مع ربه ويخلص في سعيه من أجل التمكين للإسلام فيصدق معه كل شيء، حتى أنه لا يصدق معه عمله ولسانه وجوارحه وجهاده ودعوته وأمره ونهيه فحسب، بل يصدق معه سيفه وسلاحه وعدته وعتاده.

كما جاء في سيرة ابن هشام: أنه لما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله - بعد غزوة أحد - ناول سيفه لابنته فاطمة وقال لها: (اغسلي عن هذا دمه يا بنيه، فوالله لقد صدقني في هذا اليوم)، وناولها علي بن أبي طالب سيفه فقال: (وهذا فاغسلي عنه دمه، فوالله لقد صدقني اليوم), فقال رسول الله: (لئن كنت صدقت القتال، لقد صدقه معك سهل بن حنيف وأبو دجانة).

وإنما يكون صدق السيف بصدق صاحبه، و "إنما السيف بضاربه".

وقد أعجبني في ذلك أحد الشعراء المحدثين، حين قال: (ليس لسيف صلاح الدين، سوى زند صلاح الدين، وقلب صلاح الدين... ذلك العبد المفتقر إلى الله تعالى).

فسيوف علي بن أبي طالب وأبي دجانة وسهل بن حنيف تختلف عن كافة السيوف، لقد اكتسب السيف الصدق والإخلاص من صاحبه، وكذلك سيف صلاح الدين.

فقد نجد اليوم سيفاً، ولكننا لا نجد أمثال هؤلاء الصادقين ليجعلوه صادقاً!

إن البندقية بيد أمثال "خالد" ورفاقه تختلف عن أي بندقية، حتى ولو كانت جميعاً من مصنع واحد، وإن الرصاصة التي تنطلق من هؤلاء تختلف عن غيرها، ألا ترى إلى تلك الرصاصات الصادقة التي أطلقها أضعف المجاهدين من مسافة بعيدة جداً لتصيب قائداً للعدو في عنقه، إنها الرصاصات الصادقة التي توجهت من بندقية صادقة، يحملها رجل صادقٌ مع ربه، مخلصٌ لدينه، وكذلك تلك الرصاصة التي أطلقها مجاهد آخر على أحد قادة الكفر وحدها، وقد علت الدهشة كل الأطباء والجراحين وقتها، بل ورجال المعمل الجنائي، حتى ظنوا أن هذه الرصاصة ليست من الرصاص العادي الذي نعرفه جميعاً، بل هي نوع خاص من الرصاص! وذلك كله لدهشتهم كيف تُحدِثُ رصاصة واحدة كل هذه الإصابات والكسور الخطيرة؟! إنها رصاصة صادقة خرجت من بندقية صادقة، يحملها رجل صادق مع ربه مخلص لدينه.

إننا قد نملك السيف، ولكن أين أمثال علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد وأبي عبيدة بن الجراح وعمرو بن العاص وعكرمة بن أبي جهل؟ إننا قد نملك السيف، ولكن أين صلاح الدين؟ وقلب صلاح الدين؟ وإخلاص وزهد صلاح الدين؟ إننا قد نملك السلاح، ولكن أين خالد ورفاقه وزهدهم وصدقهم وإخلاصهم وورعهم وتواضعهم؟

وقد قيل لرجل: ارق فلاناً بالفاتحة، فإن عمر بن الخطاب كان يرقي بها فيشقى المريض، فقال: (هذه الفاتحة، ولكن أين عمر؟).

إن السيف لن يصدق إلا إذا حمله صادق، ولن يخلص إلا إذا جاهد به مخلص، ولن يؤثر في أعداء الله إلا إذا حمله أولياء الله بحق، ولن يكون على خلق حتى يكون حامله على نهج النبوة وأخلاقها.

وقد أعجبني قول مصطفى صادق الرافعي حينما قال ما مغزاه؛ إنه ليس للمسلمين أخلاق فحسب بل إن لسيوفهم أخلاقاً.

ألا ترى أنها لا تقتل طفلاً ولا شيخاً ولا امرأة ولا فانياً، ولا تقطع شجراً ولا نخلاً، صدقت والله! بل إن هذه السيوف لا تقاتل كبِراً ولا عُجباً ولا رياءً ولا تجبراً ولا طغياناً، بل تقاتل حباً في الله وإعلاءً لكلمته سبحانه، ورفعة لشأن الإسلام، وحتى تكون كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا.

إن الرجل ليصدق مع ربه، ويصدق في دعوته وجهاده وأمره ونهيه، فينعكس ذلك الصدق على كل شيء في حياته، فلا ينعكس على سيفه وسلاحه فحسب، بل يصدق معه كل شيء حتى دابته التي يركبها ويجاهد عليها وينطلق بها من مكان لآخر في سبيل الله رافعاً لرايته وناشراً لدينه، وكأن الصدق قد انتقل منه إلى تلك الدابة العجماء، أو تلك السيارة الصماء التي يتحرك بها في سبيل الله.

وإذا أردت أن تدرك ذلك المعنى جيداً فلتقرأ قليلاً عن "الأشقر" فرس خالد بن الوليد، فقد قال رجل لخالد بن الوليد: (ما أكثر الروم وما أقل المسلمين!)، فقال خالد: (ما أقل الروم وأكثر المسلمين! إنما تكثر الجنود بالنصر وتقل بالخذلان لا بعدد الرجال والله لوددت أن الأشقر براء من تَوَجِّيهِ وأنهم أُضعِفُوا في العدد)، وكان فرسه قد حفي في مسيره، فالأشقر قد تعلم الصدق في الجهاد من صاحبه، فَلَكَمْ قاتلا سوياً، ولَكَمْ قطع "الأشقر" بخالد بن الوليد آلاف الأميال جهاداً في سبيل الله، بل إن خالداً قد قطع دولتي الفرس والروم ممتطياً صهوة "الأشقر"، متنقلاً من أقصى البلاد إلى أقصاها، ومن نصر إلى نصر دون كلل أو ملل أو راحة، بل إنه اقتحم بـ "الأشقر" الأهوال، وسار به الليل والنهار، وجاز به البراري والقفار، وهزم به الصناديد والأبطال، حتى أن قدم "الأشقر" قد رقت من كثرة سيره، فقد حطم خالد من على ظهره دولتي الفرس والروم - أمريكا وروسيا اليوم - ومن أجل صدق "الأشقر" مع خالد بن الوليد؛ فإنه تمنى أن لو شفي الأشقر من مرضه وبرئ من سقمه، حتى لو تضاعف عدد الروم! فإن ذلك العدد لا يثبت أمام صدق "الأشقر" في الجهاد.

وهكذا كانت خيول المسلمين ودوابهم، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال لأصحابه - بعد أن قالوا: (خلأت القصواء)، فقال صلى الله عليه وسلم: (ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل).

أما إذا قل صدق الرجل مع ربه، أو كثرت معاصيه وكثر تعثره، فإن ذلك ينعكس على كل شيء حتى على دابته، وصدق من قال من السلف: (إني لأعصي الله، فأجد ذلك في خلق زوجتي ودابتي).


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فلنصدق مع الله
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
.::الملتقى الاسلامي في العراق::. :: 

¤©§][§©¤][ منوعات الملتقى ][¤©§][§©

 :: الدروس والكتب العلمية
-
انتقل الى: