[بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
وبعد :
فقد سبق لي قبل سنين عدة بحث في مراد الإمام الترمذي بقوله في الحكم على جملة من أحاديث جامعه : ( هذا حديث حسن صحيح ) ، وقد جمعت فيه بين الجانبين النظري والتطبيقي ، حيث جمعت كلام أهل العلم في توجيه قوله هذا ، ثم درست نحو مئة حديث حكم عليها بهذا الحكم .
وإنما أنشر هذا البحث رغبة في الاستفادة من ملاحظات الإخوة ، سائلاً الله عز وجل الإعانة والتسديد .
توطئة :
استقر الاصطلاح على أن الصحيح والحسن مرتبتان مختلفتان ، وقسمان متغايران ، لا يسوغ إطلاق أحدهما على الآخر ، كما لا يسوغ الجمع بينهما على أنهما مصطلحان مترادفان ، وذلك لأن الحسن متقاصر عن مرتبة الصحيح .
ولأجل ما تقدم فقد أشكل على كثير من أهل العلم جمع الإمام الترمذي بين الحسن والصحيح في حكمه على جملة كبيرة من الأحاديث في جامعه ، حيث إن في ذلك جمعاً بين نفي القصور وإثباته .
وقد اختلفت أقوال أهل العلم في توجيه ذلك كما سيأتي - إن شاء الله - .
ومما يحسن التنبيه إليه ما ذكره الحافظ ابن الصلاح من اختلاف نسخ جامع الترمذي في ذكر قوله : ( هذا حديث حسن ) ، أو ( هذا حديث حسن صحيح ) ، ونحو ذلك ، وأنه ينبغي أن يصحح المرء أصله على عدة أصول ويعتمد ما اتفقت عليه( ) .
وفيما يلي عرض ما وقفت عليه من أقوال أهل العلم في هذه المسألة ، وبيان ما اعترض به عليها ، وما يمكن الإجابة عنه من هذه الاعتراضات :
القول الأول :
أن يكون الحديث مروياً بإسنادين أحدهما صحيح ، والآخر حسن ، فيكون صحيحاً بالنسبة لإسناد ، حسناً بالنسبة إلى الآخر .
وهذا قول ابن الصلاح( ) ، والنووي( ) ، وشيخ الإسلام ابن تيمية( ) ، وابن الملقن( ) .
قال الحافظ ابن حجر : ( وعلى هذا فما قيل فيه حسن صحيح فوق ما قيل فيه صحيح فقط إذا كان فرداً ، لأن كثرة الطرق تقوي ) ( ) .
n وقد اعترض ابن دقيق العيد وغيره على هذا القول بأنه يرد عليه الأحاديث التي قيل فيها : ( حسن صحيح ) مع أنه ليس لها إلا مخرج واحد ، وهذا موجود في كلام الإمام الترمذي حيث يقول في مواضع من جامعه : ( هذا حديث حسن صحيح غريب )( ) ، أو : ( هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه )( ) ، أو نحو ذلك مما فيه تصريح بأنه لا يَعْرِفُ له إلا طريقاً واحداً( ) .
وقد أجاب عن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية بأن ما قيل فيه حسن صحيح غريب قد روي بإسناد صحيح غريب ، ثم روي عن الراوي الأصلي من طريقين ، أحدهما صحيح ، والآخر حسن ، فيكون بذلك حسناً مع أنه صحيح غريب . ( )
وأجاب أيضاً الحافظ سراج الدين ابن الملقن فقال : ( ... اللهم إلا أن يراد بقوله : لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، من حديث بعض الرواة ، لا أن المتن لا يعرفه إلا من هذا الوجه بدليل أن الترمذي نفسه لما خرج في كتاب الفتن حديث خالد الحذاء عن ابن سيرين عن أبي هريرة : (( من أشار إلى أخيه بحديدة ... )) الحديث ، قال : هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه ، يستغرب من حديث خالد( ) )( ) .
وتعقبه الحافظ العراقي فقال : ( وهذا الجواب لا يمشي في المواضع التي يقول فيها : لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، كحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : (( إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا )) قال أبو عيسى : حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ )( ) .
كما أجاب محمد بن إبراهيم الوزير الصنعاني عما ذكره ابن دقيق العيد فقال : ( يمكن الجواب على الشيخ تقي الدين في هذا الاعتراض بأن الترمذي أراد أنه لا يعرف الحديث بذلك اللفظ كما قيده في المثال ( ) ، وقد ورد معناه بإسناد آخر ، أو يريد من ذلك الوجه كما يصرح به في غير حديث ، مثل أن يكون الحديث صحيحاً غريباً من حديث أبي هريرة أو من حديث تابعي أو مَنْ دونه ، ويكون صحيحاً مشهوراً من غير تلك الطريق ، أو يريد أنه لا يعرف الحديث عن ذلك الصحابي الذي رواه عنه إلا بذلك ، وله إسناد آخر عن صحابي آخر ) . ( )
القول الثاني :
أن يكون المراد بالحُسْن المعني اللغوي .
وقد استحسن هذا الجواب الحافظ ابن الصلاح( ) .
قال الحافظ ابن كثير : ( ومنهم من يقول إنه حسن باعتبار المتن ، صحيح باعتبار الإسناد ) ( ) .
ومعنى قوله : ( حسن باعتبار المتن ) : أي الحسن اللغوي ، المتضمن جمال العبارات وبلاغتها وقوة التراكيب .
n وقد اعترض ابن دقيق العيد على هذا التوجيه بأنه يلزم عليه أن يطلق على الحديث الموضوع إذا كان حسن اللفظ أنه حسن ، وذلك لا يقوله أحد من أهل الحديث إذا جروا على اصطلاحهم . ( )
وقد أجاب عن هذا الحافظ العراقي فقال : ( قد أطلقوا على الحديث الضعيف بأنه حسن وأرادوا حُسْن اللفظ لا المعنى الاصطلاحي ، فروى ابن عبد البر في كتاب آداب العلم حديث معاذ بن جبل مرفوعاً : (( تعلموا العلم فإن تعليمه ذلك لله خشية ، وطلبه عبادة ، ومذاكرته تسبيح ... )) الحديث .
قال ابن عبدالبر : وهو حديث حسن جداً ، ولكن ليس له إسناد قوي .انتهى كلامه( ).
فأراد بالحُسْنِ حُسْنَ اللفظ قطعاً ، فإنه من رواية موسى بن محمد البلقاوي عن عبدالرحيم ابن زيد العمي ، والبلقاوي هذا كذاب ... ، والظاهر أن هذا الحديث مما صنعت يداه ، وعبدالرحيم بن زيد العمي متروك الحديث أيضاً ) . ( )
وقد اعترض ابن حجر على جواب العراقي المتقدم بأن ابن دقيق قد قيـد كلامه بقوله : ( إذا جروا على اصطلاحهم ) ، وهنا لم يجر ابن عبدالبر على اصطلاح المحدثين باعترافه بعدم قوة إسناده ، فكيف يحسن التعقب بذلك على ابن دقيق العيد . ( )
كما ناقش سراج الدين ابن الملقن ما اعترض به ابن دقيق العيد فقال : ( ولك أن تقول لا يرد على الشيخ ما ألزمه به ، لأنه ذكر هذا التأويل للحسن الذي يقال مع الصحيح ، لا للحسن المطلق ، والموضوع لا يقال إنه صحيح ) . ( )
وذكر الحافظ ابن حجر أن ما ذكره ابن دقيق العيد إلزام عجيب ، إذ أن الحكم عليه بالصحة يمنع أن يكون موضوعاً . ( )
n وقد اعترض ابن سيد الناس على هذا التوجيه الذي استحسنه ابن الصلاح فقال
وهو أبعد من الأول( ) ، إذ كل حديث رسول الله حسن ، سواء كان في الأحكام أو الرقائق أو غيرها ، وأيضاً فلو أراد واحداً من المعنيين( ) لَحَسُن أن يأتي بواو العطف المُشَرِّكة فيقول : حسن وصحيح ، ليكون أوضح في الجمع بين الطريقين ، أو السنـد والمتن )( ) .
n وذكر ابن كثير اعتراضاً آخر فقال : ( وفي هذا نظر أيضاً ، فإنه يقول ذلك في أحاديث مروية في صفة جهنم ، وفي الحدود والقصاص ، ونحو ذلك ) ( ) .
وقال ابن الملقن : ( ووهاه بعضهم أيضاً بأن أحاديث الوعيد لا توافق القلب ، بل يجد منها كرباً وألماً من الخوف ، وهي من الأحاديث الحسان ) . ( )
n وقال ابن حجر في الاعتراض على هذا التوجيه : ( ويلزم عليه أيضاً أن كل حديث يوصف بصفة فالحُسْن تابعه ، فإن كل الأحاديث حسنة الألفاظ بليغة ، ولما رأينا الذي وقع له هذا كثير الفرق ، فتارة يقول : حسن فقط ، وتارة صحيح فقط ، وتارة حسن صحيح ، وتارة صحيح غريب ، وتارة حسن غريب ، عرفنا أنه لا محالة جار مع الاصطلاح ، مع أنه قال في آخر الجامع : وما قلنا في كتابنا حديث حسن فإنما أردنا به حسن إسناده عندنا( ) ، فقد صرح بأنه أراد حسن الإسناد ، فانتفى أن يريد حسن
اللفظ ) . ( )
لكن أجاب السخاوي على اعتراض شيخه بما نقل عن الترمذي في مراده بالحسن ، فقال : ( ولكن لا يتأتى هذا إذا مشينا على أن تعريفه إنما هو لما يقول فيه حسن فقط ) . ( )
قلت : ويمكن أن يعترض على ما أورده الحافظ ابن حجر بأن الإمام الترمذي لما أطلق الحكم بالحُسْن مفرداً ، والحكم بالصحة كذلك ، عرف بأنه في ذلك جار مع الاصطلاح ، وأن كل واحد منهما قسم مستقل بذاته ، فلما جمع بينهما تبين أنه لم يجر في ذلك مع الاصطلاح - والله أعلم - .
القول الثالث :
أن الحسن لا يشترط فيه قيد القصور عن الصحيح،وإنما يجيئه القصور حيث انفرد الحسن، وأما إذا ارتفع إلى درجة الصحة فالحسن حاصل لا محالة تبعاً للصحة ، لأن وجود الدرجة العليا وهي الحفظ والإتقان لا ينفي وجود الدنيا كالصدق ، فيصح أن يقال حسن باعتبار الصفة الدنيا ، صحيح باعتبار الصفة العليا ، ويلزم على هذا أن يكون كل صحيح حسناً، ويؤيده قولهم : حسن ، في الأحاديث الصحيحة ، وهذا موجود في كلام المتقدمين .
وبهذا قال ابن دقيق العيد . ( )
وقوَّاه الحافظ ابن حجر فقال : ( وشبه ذلك قولهم في الراوي : صدوق فقط ، وصدوق ضابط ، فإن الأول قاصر عن درجة رجال الصحيح ، والثاني منهم ، فكما أن الجمع بينهما لا يضر ولا يشكل فكذلك الجمع بين الصحة والحسن ) ( ) .
n وأورد ابن الملقن على هذا القول ما لو كان السند في الدرجة العليا من الصحة حيث اتفق الناس على عدالة رواته .
ثم أجاب عما أورده بندرة ذلك . ( )
n كما اعْتُرِض أيضاً على هذا التوجيه بأنه إذا ثبت صحة الحديث فذكر الحسن عند ذلك لغو لا فائدة منه . ( )
وقد ذكر ابن سيد الناس قول الحافظ أبي عبد الله بن أبي بكر بن المَوَّاق وهو : ( أن الترمذي لم يَخُصَّ الحسن بصفة تميزه عن الصحيح ، فلا يكون صحيحـاً إلا وهو غير شاذ ، ولا يكون صحيحاً حتى يكون رواته غير متهمين ، بل ثقات .
قال : فظهر من هذا أن الحسن عند أبي عيسى صفة لا تخص هذا القسم، بل قد يشركه فيها الصحيح ، فكل صحيح عنده حسن ، وليس كل حسن صحيحاً ، ويشهد لهذا أنه لا يكاد يقول في حديث يصححه إلا حسن صحيح .
واعترض عليه ابن سيد الناس بعد إيراده له فقال : ( بقي عليه أنه اشترط في الحسن أن يروى نحوه من وجه آخر ، ولم يشترط ذلك في الصحيح ، فانتفى أن يكون كل صحيح حسناً ، نعم قوله : وليس كل حسن صحيحاً ، صحيح ) ( ) .
قال ابن حجر مقرراً ما ذكره ابن سيد الناس : ( وهو تعقب وارد واضح على زاعم التدخل بين النوعين ) ( ) .
وقد أجيب عن هذا الاعتراض بأن الترمذي إنما يشترط مجيء الحسن من وجه آخر إذا لم يبلغ مرتبة الصحيح ، فإذا بلغها لم يشترط فيه ذلك ، بدليل قوله في مواضع : هذا حديث حسن صحيح غريب ، فلما ارتفع إلى درجة الصحة أثبت له الغرابة باعتبار فرديته . ( )
قلت : وقد يمكن الإجابة بجواب آخر وهو أن اشتراط الإمام الترمذي في الحسن مجيئه من وجه آخر إنما هو فيما إذا وصفه بالحُسْن مفرداً ، دون ما جمع فيه مع الوصف بالحُسْن الصحة أو الغرابة أو كليهما .
القول الرابع :
أن هذه مرتبة بين الحسن والصحيح ، فوق الحسن ودون الصحيح .
قال الحافظ ابن كثير
والذي يظهر لي أنه يُشَرِّب الحكم بالصحة على الحكم بالحُسْن( )، كما يُشَرِّب الحسن بالصحة ، فعلى هذا يكون ما يقول فيه : حسن صحيح أعلى رتبة عنده من الحسن ودون الصحيح ، ويكون حكمه على الحديث بالصحة المحضة أقوى من حكمه عليه بالصحة مع الحُسْن ) . ( )
وقال البلقيني : ( وقيل : الجمع بين الحسن والصحة رتبة متوسطة بين الحسن المجرد والصحيح ، فأعلاها ما تمحض فيه وصف الصحة ، وأدناها ما تمحض فيه وصف الحسن ، وأوسطها ما جمع بينهما ) ، ثم تعقبه قائلاً : ( وفيه نظر ) . ( )
n واعترض على هذا القول ابن رجب فقال : ( وهذا بعيد جداً ، فإن الترمذي يجمع بين الحسن والصحة في غالب الأحاديث الصحيحة المتفق على صحتها ، والتي أسانيدها في أعلى درجات الصحة ، كمالك عن نافع عن ابن عمر ، والزهري عن سالم عن أبيه ، ولا يكاد الترمذي يفرد الصحة إلا نادراً ، وليس ما أفرد فيه الصحة بأقوى مما جمع فيه بين الصحة والحسن ) ( ) .
n وقال الحافظ العراقي معترضاً على ابن كثير : ( وهذا الذي ظهر له تحكم لا دليل عليه، وهو بعيد من فهم معنى كلام الترمذي ) ( ) .
n كما تعقب ابنُ حجر الحافظَ ابن كثير فقال : ( لكن هذا يقتضي إثبات قسم ثالث ، ولا قائل به ، ثم إنه يلزم عليه أن لا يكون في كتاب الترمذي حديث صحيح إلا النادر ، لأنه قلَّ ما يعبر إلا بقوله : حسن صحيح ) ( ) .
القول الخامس :
أنه إنما صدق عليه الوصفان باعتبار اختلاف الأئمة في حال راويه ، فقد يكون عند بعضهم في مرتبة الصحيح ، وعند بعضهم دون ذلك ، وعلى هذا يكون ما قيل فيه : حسن صحيح دون ما قيل فيه : صحيح ، لأن الجزم أقوى من التردد ، لأن حقه أن يقول : حسن أو صحيح .
وهذا التوجيه ذكره ابن سيد الناس افتراضاً ، وعزاه ابن حجر لبعض المتأخرين . ( )
n وأورد عليه ابن سيد الناس ما لا خلاف في تعديل راويه ، كما أنه يَحْسُن في مثله أن يأتي بلفظ (( أو )) والتي هي لأحد الشيئين أو الأشياء فيقول : حسن أو صحيح . ( )
n وقد أورد عليه ابن حجر نحواً مما أورده ابن سيد الناس وأضاف : ( ثم إن الذي يتبادر إلى الفهم أن الترمذي إنما يحكم على الحديث بالنسبة إلى ما عنده لا بالنسبة إلى غيره ، فهذا يقدح في هذا الجواب ، ويتوقف أيضاً على اعتبار الأحاديث التي جمع الترمذي فيها بين الوصفين ، فإن كان في بعضها ما لا اختلاف فيه عند جميعهم في صحته ، فيقدح في الجواب أيضاً ، لكن لو سلم هذا الجواب من التعقب لكان أقرب إلى المراد من غيره ، وإني لأميل إليه وأرتضيه ، والجواب عما يرد عليه ممكن ) ( ) .
n كما اعترض عليه أيضاً ملا علي القاري بأنه يلزم على هذا أن يكون الترمذي وقبله البخاري مقلدين في التصحيح والتحسين . ( )
القول السادس :
قال ابن سيد الناس : ( والجواب أن الحكم للفظه حسن إنما هو إذا انفردت ، ومعلوم حينئذ أنها جاءت على الوضع الاصطلاحي ، لتفيد ما تقرر من المراد .
وأما إذا جاءت تبعاً للصحيح فالحكم للصحيح ، وليس ذلك المعنى الوضعي مراداً منها ، ولا منافاة حينئذ ، كما لو قلت : صحيح معروف ، أو مشهور صحيح ، ولم تكن تلك الزيادة على الوصف بالصحة مما يحط الحديث عن مرتبته ، وإن كانت قاصرة عن الوصف بالصحة إذا انفردت ، وليس وضع الحسن على هذا النوع من الحديث مما تقدم الترمذي وضعه حتى يشاحح في إطلاقه ويطلب منه اطراد رسمه ، منفرداً ، أو مقترناً
بالصحة ) . ( )
n وقد اعترض الدكتور أحمد معبد على هذا التوجيه من خلال الأمور التالية :
الأول : اعترض على ما ذكره من أن لفظه حسن لا يراد بها المعنى الاصطلاحي إذا جاءت مع لفظة صحيح ، بأن الترمذي لما أكثر من استعمال هذه العبارة مركبة ، مع التنويع في تركيبها ، عرفنا أنه لا محالة جار في ذلك مع الاصطلاح في الألفاظ التي يستعملها ، ومن ضمنها لفظ حسن ، ويضاف لذلك قوله : ( وما ذكرنا في هذا الكتاب حديث
حسن ، فإنما أردنا حسن إسناده )( ) ، فذلك عام شامل لجميع صور ذكره للفظ حسن؛ مفرداً ؛ أو مركباً ، ما لم يقيده الترمذي نفسه بقيد ، وبذلك ينتفي أن لا يراد بالحسن المعنى الاصطلاحي إذا رُكِّبَ مع الصحيح .
الثاني : واعترض على ما ذكره من أن الجمع بين الحسن والصحة يشبه في عدم المنافاة الجمع بين (( صحيح )) وكل من : (( مشهور )) و (( معروف )) ، بأن هذا قياس مع الفارق ، لأن المعروف والمشهور الاصطلاحيان يمكن اجتماعهما مع الصحة في حديث واحد بدون تناف ، لأن منهما صحيح وغير صحيح ، بخلاف الحسن فإنه قاصر عن الصحيح عند من سمى الحسن صحيحاً .
الثالث : واعترض على قوله : ( وليس وضع الحسن على هذا النوع من الحديث مما تقدم الترمذي وضعه ) ، بأن الإمام الترمذي مسبوق في إطلاقه للحسن بالمعنى الاصطلاحي ، وممن استعمله بهذا المعنى : علي بن المديني ، والبخاري ، ويعقوب بن شيبة ، وغيرهم ، وعن البخاري أخذ الترمذي . ( )